أخبار وطنية الفساد في تونس: كشف تلاعبا في وصولات دعم البنزين فكوفئ بالعزل من العمل
عـنـدمـا تتحـول محطـة غسيل للسيارات إلى ورشة ميكانيك تقبض 80 مليونا من المال العام
جربة: أمنيون متّهمون بالتواطؤ مـــع مـهـــربــي الـبـنــزيــن
هل يمكننا الحديث عن إصلاح المنظومة الاقتصادية ونحن تعترضنا يوميا شتى البضائع على الأرصفة في كل المدن التونسية ؟كيف نتحدث عن مقاومة التهريب وبائعو البنزين يعرضونه «جهارا نهارا» وأمام أعين الدوريات الأمنية وفي مفترقات الطرق؟من المسؤول عن التبغ المهرب والذي يعرضه الباعة في كل نهج وشارع؟ ألم يتهم الطرابلسية قبل الثورة بأنهم هم من يغرقون السوق الموازية بشتى السلع ؟وأنهم وراء انخفاض أسعار الموز والفستق واللعب وبضائع أخرى كثيرة؟ في الورقة التالية سنكشف جزءا من ظاهرة فساد تنخر اقتصادنا وسنفضح محاولات للإصلاح لا تعدو أن تكون ذرا للرماد في العيون.
المغالطة الكبرى
هلل البعض بالإجراء الذي اعتبروه ثوريا وهو قرار رئاسة الحكومة مهدي جمعة بسحب وصولات البنزين وتعويضها بمنح مالية وهو إجراء فاقد لأدنى مسؤولية لأن هدفه ببساطة ليس المحافظة على المال العام، وإنما التسبب في إفلاس الشركة الوطنية لتوزيع المحروقات “عجيل” لأن ما غاب عن البعض هو أن هذه الوصولات كانت لا تمنح إلا للشركة الوطنية لتوزيع المحروقات وإذا علمنا أن السيد مهدي جمعة عمل سابقا في شركة «طوطال» الفرنسية نعلم أن الأمر كان تحت ضغط هذه الشركة ليس إلا، اما الحديث عن المحافظة عن المال العام فهي مجرد مغالطات وقرار شعبوي.
إبراهيم الميساوي (رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد): قرارات عشوائية لن تحدّ من الظاهرة
اعتبر الأستاذ إبراهيم الميساوي رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد أن عديد القرارت التي اتخذتها سواء حكومة المهدي جمعة أوالحكومات التي سبقتها هي قرارات عشوائية لا يمكن أن تحد من ظاهرة الفساد المالي والإداري الذي ينخر البلاد، مشيرا إلى أن لوبيات الفساد تسعى دائما إلى حماية مصالحها وكاشفا لنا عن تجاوزات خطيرة للتلاعب بالمال العام.
أسطول قديم يكلف الدولة المليارات
بقطع النظر عن التجاوزات التي يمارسها البعض من موظفي الدولة في حق مال المجموعة الوطنية والاستغلال المفرط للملك العام كشف لنا الميساوي أن نصف أسطول سيارات الدولة تجاوز عمرها ال14 سنة وهو ما يجعلها تحتاج إلى الكثير من الصيانة وقطع الغيار الباهضة الثمن، وذكر محدثنا أن عدد هذه السيارات يتجاوز ال40ألف سيارة، ولكن الأخطر من ذلك هو التلاعب بالمال العام من خلال الفواتير المضخمة والمزورة.
محطة غسيل للسيارات تلهف 80 مليونا من المال العام
من غرائب التلاعب بالفواتير هو أن موظفا بإحدى المؤسسات العمومية كان يتقدم بفواتير خلاص معاليم صيانة السيارات الإدارية والتي بلغت في مجملها 80ألف دينار وبالبحث عن مصدر هذه الورشة تبين أن السجل التجاري يعود إلى محطة غسيل للسيارات وأن زوجة الموظف العمومي فتحت شركة وهمية لإصلاح السيارات والحقيقة أنها لم تمسك يوما مفتاحا أو تفتح أصلا ورشة لإصلاح السيارات.كما بينت التحقيقات أن صاحب محطة غسيل السيارات لم يكن يعلم شيئا عما كان بقوم به الموظف وزوجته...
تصدى للفساد فعزلوه
من المفارقات العجيبة ما رواه لنا رشدي الرويسي الذي وقع تسميته رئيسا لفرع التعاونية المركزية للخدمات الفلاحية بصفاقس وهي تعاضدية تحت إشراف كل من وزارة المالية والفلاحة مهمتها توزيع البترول المدعوم على أصحاب مراكب الصيد حيث يقع تزويد أصحاب المراكب بالبنزين المدعم فمثلا يتمتع كل صاحب مركب عن كل 1000لتر بوصل يقدّر 351دينارا كدعم وكشف لنا الرويسي حجم الفساد والتلاعب الذي كان البعض من أصحاب المراكب يمارسونه من بيع لهذه الوصولات، وقد اكتشف بمراجعة بسيطة لسنوات 2008 و 2009 أن وصولات الدعم تذهب لغير أصحابها وقد رفع في الغرض تقريرا للمدير العام بين فيه حجم الفساد والأموال المنهوبة التي فاقت ال120ألف دينار وهو ما دفع الإدارة العامة إلى إرسال متفقدين أثبتوا بالدليل القاطع حجم الفساد المستشري في هذا المركز، لكن الغريب أنه وعوض ترقية هذا الموظف وقع هرسلته من طرف اللوبيات المتحكمة في فرع الشركة بصفاقس وتمت نقلته إلى فرع الشركة وتحديدا بمستودع منوبة حيث ظل قابعا يوميا بجانب الحارس ولم يقع توفير ولو مكتب له.المفاجأة بعد ذلك أنهم دبروا له مكيدة وملفا يحمل العديد من المغالطات واتهموه بأنه كان يستغل سيارة الإدارة في أغراض لا صلة لها بوظيفته علما بأن هذه السيارة يعلم الجميع أنه ليس الوحيد الذي يستعملها، بل أكثر من ذلك فالشهود الذين شهدوا ضده هم من قدم فيهم تقاريره، وبعد إحالته على مجلس التأديب وقع فصله من عمله .وقد تحدث إلينا رشدي الرويسي بكل مرارة كيف نكل به وبزميله بسبب تصديهما للفساد المستشري في المؤسسة واكثر من ذلك أفادنا بأن الإدارة ووزارة الفلاحة والمالية بلغتهما كل التقارير التي دونها وأكدتها فرق التفقد .مضيفا أنه أخطبوط عجزت وزملائي عن التصدي له، ولا شك أن كثيرا من المؤسسات العمومية تعرف نفس الفساد لكن الشرفاء يخيرون الصمت عوضا عن مكافحة الفساد.
أمني يبيـــع الصواعق الكهربائية وآخر يروّج «الفوشيك»
أكد لنا عضو الجمعية التونسية لمكافحة الفساد بجربة شكري غانمي أن مظاهر الفساد وبارونات التهريب بالجهة ينتمي بعضهم للأسلاك الأمنية وأنه قام بتصوير العديد من الفيديوهات التي تكشف تواطؤ أمنيين وحتى أعوان للديوانة مع المهربين وقد أرسل لنا ببعضها لمن يريد التأكد,الغانمي أكد لنا أن أحد الامنيين كان يقوم بحماية شريكه وهما يبيعان الصواعق الكهربائية ولما قام بالإبلاغ عن الحادثة ورغم العدد المهول من الصواعق الكهربائية فقد وقع حجز ثلاثة فقط ووقع الإفراج عن عون الأمن في نفس اليوم كما أفادنا أن أحد أعوان الأمن كان يقوم بنفسه ببيع «الفوشيك» ورغم تقدمه بالعديد من القضايا في الغرض والإبلاغ عن هذه التجاوزات الخطيرة فانه لم يقع فتح بحث في هذه القضايا بل أكثر من ذلك أصبح يتعرض لشتى المضايقات، وسجلت ضده عديد القضايا الكيدية الهدف منها إسكاته.عوض فتح تحقيق حول من يساعد المهربين ويشاركهم أفعالهم فالكل يؤكد أن التهريب والإرهاب عملة ذات وجهين تكمل أحداهما الأخرى .فكيف نتحدث عن مكافحة الإرهاب و بعض الأمنيين يغضون الطرف بل ويشاركون في عمليات التهريب. لهذه الأسباب تختلف أسعار البنزين المهرب . في كل دول العالم ترتفع وتنخفض أسعار البنزين حسب السعر العالمي للذهب الأسود لكن الطريف والغريب أنه في في بلادنا ترتفع دائما ولا تنخفض أبدا. إذ نجد أن أسعار هذه المادة في السوق الموازية قد ترتفع الأسعار حينا وتنخفض حينا اخر.فمثلا الوعاء البلاستيكي سعة 20 لترا من البنزين قد يبلغ سعره ال26دينارا وقد ينخفض أحيانا إلى الـ20 دينارا فقط.. أما أسباب ذلك فلا يعود طبعا لارتفاعه في الأسواق العالمية بل يعود ذلك إلى أنه حين يقع تشديد الرقابة على الطرقات يرتفع السعر وحين تنخفض «الرشاوي والعملات» تنخفض الأسعار. واللافت للانتباه أن أحد باعة البنزين المهرب أكد لنا أنهم لا يواجهون مشاكل تذكر في الطريق مع أعوان الأمن مادامت» بوخمسة وبوعشرة «موجودة,بل وأقسم لنا بأن بعض الأمنيين يتاجرون في البنزين أيضا.
عبد اللطيف العبيدي